ديما مسموع

كلمة السر لفهم حملة “إرحل أخنوش”: زواج السلطة و المال

ذ. طارق ليساوي

يعيش المغرب منذ أزيد من ثلاث أسابيع على وقع وسم “إرحل_أخنوش” و أصبح حديث الساسة ووسائل الإعلام، فقد خرجت أصوات من التحالف الحكومي تتهم المعارضين لسيد “أخنوش” و حكومته، وتصفهم بالمرضى أو بالحسابات الوهمية، و لم يقتصر الأمر على شخصيات في الأغلبية الحكومية، و إنما إمتد لوكالة المغرب العربي للأنباء و التي تعد الدراع الإعلامي للدولة المغربية ، فقد أصدرت في الايام الماضية مقال بعنوان “عشر نقاط رئيسية لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي” و مما جاء فيه : يواجه رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش وسياسته الرامية إلى ضمان استقرار القدرة الشرائية للمغاربة خلال مرحلة أزمة الأسعار، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي ما يلي عشر نقاط رئيسية لفهم هذه الحملة المغرضة..”
و قد عبرت أحزاب المعارضة عن استنكارها “للتوظيف السياسوي الضيق” لوكالة المغرب العربي للأنباء “لاماب”، وتسخيرها في توجيه اتهامات خطيرة لأحزاب المعارضة، مقابل الدفاع عن مصالح اقتصادية ومالية على حساب القدرة الشرائية للمغاربة… و الواقع أن هذا البيان وصفناه في برنامج “إقتصاد×سياسة” ب”البيان الحربي رقم 1″ فقد إختارت “لاماب” الخروج عن الحياد و توجيه الإتهامات شرقا و غربا بعيدا عن المهنية و الموضوعية، خاصة و أن وكالة المغرب العربي للأنباء من المفروض أنه تعبر عن الدولة المغربية ، و تعبر عن صوت المعارضة و الأغلبية، و ليس الناطق الرسمي باسم الحكومة و رئيسها السيد أخنوش ..
فطريقة تناول الاحتجاج الحالي من قبل وكالة “لاماب” ، منافية لأخلاقيات الصحافة، فمهمة الوكالة تكمن في عمل صحفي يعطي الحق في التعبير عن المعارضة بكل أريحية، وفي نفس الوقت إعطاء الكلمة للفاعل الحكومي للإدلاء برأيه فيما يخص الحملة، أما أن تتكفل الوكالة بالرد، فهذا يفقد عملها كل مصداقية ويدخله في خانة ” البروباغاندا السياسية”
فالوكالة جانبت الصواب في طريقة تناولها للموضوع، ودفاعها عن رئيس الحكومة بشكل غير مهني، ذلك أن فشل الحكومة في تدبير إدارة الأزمة عمليا وتواصليا، جعلها تستعين بأطراف أخرى ، فقد تم في البداية الاستعانة بالصحافة الموالية و إعتبار أن الحسابات وهمية و مزيفة بناءا على ما قاله الخبير الأجنبي “مارك أوين جونز”، المحلل البريطاني، الذي اعتمد أنصار رئيس الحكومة والوكالة الرسمية للأنباء على تدويناته للطعن في الحملة الرقمية، و قد أشار في تدوينة عبر حسابه على تويتر إلى أن بحثه تم تحريفه وتحويله إلى معلومات مضللة..وقال جونز في تدوينته “مثير جدا للاهتمام أن يتم تحريف بحثي الذي يحاول تسليط الضوء على الخداع وتحويله إلى معلومات مضللة”…وأضاف جونز في رد على تعليق لأحد متابعيه، أكد أنه لم يقل إن الحملة أطلقتها حسابات مزيفة، وهو ما روجته عدة منابر إعلامية وعلى رأسها وكالة المغرب العربي للأنباء، مضيفا بالقول “لم أقل أنهم أطلقوا الوسم (الهاشتاغ) وهو أمر خاطئ بالقطع، وبالتالي هذا الجزء من القصة يشكل تحريفا صارخا”.
و الواقع أن هذا الجدل يذكرني بحملة المقاطعة الشعبية لبعض المنتجات الأساسية و التي شهدها المغرب سنة 2018 ، و في حينه قد تباينت المواقف بين معارض للحملة و مؤيد لها، وبين من يقلل ويشكك في جدواها وفعاليتها، وبين من يعتبرها أداة فعالة لمواجهة الاحتكار و التضخم و الإثراء بغير سبب…
و قد نجحت حملة المقاطعة في تحقيق أهدافها، فالشعبية التي حازتها الحملة و الجدل الإعلامي و الشعبي حولها مؤشر على نجاحها..بل إن ردود الفعل الحادة لبعض المسؤوليين السياسيين، و مدراء الشركات المستهدفة، ومن يدور في فلكهم من إعلاميين منتفعين يؤشر على أن المقاطعة نجحت في تمرير رسائلها و حملة “إرحل_أخنوش” هي عمليا النسخة المحينة لحملة المقاطعة ، فالمشكل الأساسي هو زواج السلطة بالتجارة و حالة تضارب المصالح، و أخنوش نموذج عملي لهذ الجمع و التضارب في المصالح …
قد لا يتصور أغلبية الناس الذين شاركوا في المقاطعة أو في حملة إرحل أخنوش، أنهم بهذا الفعل الحضاري البسيط و الرمزي، يعبرون عن رفضهم لأهم معضلة تعوق تقدم البلاد و العباد، و هذه المعضلة عبر عنها العلامة “ابن خلدون” بزواج السلطان بالتجارة، فالجمع بينهما هو أس الفساد وسبب في خراب العمران..
لطالما نادينا في مناسبات عدة بضرورة فصل التجارة عن ممارسة السلطة السياسية، وتصدر المناصب العامة.. فنحن لسنا ضد الغنى ، ولكن ينبغي ان يكون الغنى بطرق مشروعة، واستغلال المنصب العمومي و ما يتيحه من معلومات اقتصادية يصعب الحصول عليها من قبل رجال أعمال و مواطنين عاديين ، الأمر الذي يقود لتحقيق مكاسب و مغانم غير مشروعة، و لنا في الإسلام ما يؤيد ويحرم هذا السلوك، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مايلي:{عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ : ” أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا ” …} ( مسلم ١٨٣٣). وقوله تعالى : } ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}{البقرة الآية ١٨٨}.
إن حملة “إرحل_أخنوش” تتجاوز منطق الاحتجاج على ارتفاع الأسعار، بل تعبر ضمنيا عن رفض احتكار التجارة و السلطة و الجمع بينهما ، فأغلب أثرياء المغرب يمارسون السلطة السياسية، أو يرتبطون بأهل الحكم و السياسة، برابطة الدم و النسب و المصاهرة..
فشباب المغرب أصبح أكثر اضطلاعا على ما يحدث في البلدان الغربية و البلدان الديموقراطية، حيث تتم محاسبة الساسة على استغلال المال العمومي أو النفوذ، و لنا في قصة محاكمة رئيسة كوريا الجنوبية و حبسها، واعتقال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتهمة الفساد واستغلال النفوذ..خير مثال على حساسية الشعوب الغربية و الديموقراطية من زواج السلطة بالمال..
لكن الوضع في المغرب و غيره من البلدان العربية مخالف تماما ، فالسلطة مصدر لتكديس الثروات، وتحقيق المكاسب المالية و التجارية العاجلة في غياب تام لمبدأ المحاسبة و المساءلة.. و الهبة الشعبية في 20 فبراير 2011 عبرت عن هذه المطالب بطريقة احتجاجية…وقد تمت الاستجابة شكليا لبعض هذه المطالب عبر إصلاح دستوري أقر العديد من الحقوق و أهمها ضمان الحريات الفردية و الاقتصادية…
فمن حق المواطن أن يفعل أو لا يفعل، بمعنى أن يشتري أو يمتنع، وله أن يختار من السلع و الخدمات ما يشاء و هذا من أبجديات اللبيرالية الاقتصادية و السياسية…فكما أن للمواطن الحق في اختيار من يمثله في تذبير الشأن العام ، وله أن يعاقب من يشاء عبر سوط الانتخاب و مختلف وسائل الإحتجاج السلمي، فله بالمثل الحق في محاسبة الشركات و رؤوس الأموال المحتكرة للثروة و المستغلة لاحتياجات الناس بشكل شره..
لكن في الحالة المغربية الامتناع عن استهلاك بعض السلع هو رد فعل غير مباشر على ظاهرة الجمع بين السلطة و التجارة ، وهي ظاهرة سلبية تعيق قيام اقتصاد حر سليم، كما أنها تؤدي إلى هدر المال العمومي عبر استصدار تشريعات و قوانين تخدم مصالح الأغنياء على حساب تضييق خيرات العامة..و التأسيس لليبرالية متوحشة تخدم الأقوياء وتقصي الضعفاء ، تغني القلة المتحكمة وتفقر الأغلبية…
هاشتاغ إرحل أخنوش الذي إجتاح الفضاء الافتراضي أرى أنه خطوة إيجابية في اتجاه التأسيس لمعارضة شعبية مدنية وسلمية، بعيدا عن الاحتجاجات الشعبية على الأرض و التي يصاحبها شطط في استعمال السلطة ، وأحيانا اعتقالات بالجملة للنشطاء.. أما الاحتجاج الإفتراضي أو الامتناع عن الشراء فهو سلوك بسيط فيه منافع شتى على أغلبية الشعب ، قد يضر ببعض الفئات لكن على المتضررين أن يستوعبوا أن المجتمع الحر المفتوح يقوم على قاعدة القبول بالاختلاف و الاعتراف بالمعارضة و حقها في التعبير عن وجهة نظرها بمختلف الطرق القانونية و الدستورية المتاحة و الاحتجاج الافتراضي أحد أهم أدوات الإحتجاج في عصر ثورة الاتصالات …
الجمع بين السلطان و التجارة، فهذا أمر مضر و مساوئه أكثر من منافعه…فالتحدي هو الاستمرار في الضغط بإتجاه منع زواج السلطان بالتجارة و منع الإثراء بغير سبب و تعزيز أدوات المساءلة و المحاسبة و المراقبة الشعبية ، و لذلك ينبغي الإقرار أن إصرار جزء من المغاربة على رحيل أخنوش خطوة إيجابية مسؤولة وواعية ، باعتبارها مؤشر على تنامي الوعي الاقتصادي والاجتماعي بظاهرة زواج المال بالسلطة…والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة.

Header

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد