ديما مسموع

مأساة الفقيد عبد الوهاب بلفقيه ، صورة طفليه البريئين تسائل انهيار السياسة والساسة وتفشي الدسائس

حلت البارحة ذكرى وفاة عبد الوهاب بلفقيه الباعمراني الذى رحل عن عالمنا في 21 من شهر سبتمبر 2021 في ظروف يلفها الغموض.
انتابتني حالة من الذعر لذلك المشهد المأساوي و تلك النهاية الحزينة للفقيد عبد الوهاب بلفقيه.. مشهد تجسدت فيه كل معاني الخسة والنذالة والوحشية… مشهد اختصر انحطاط المستوى السياسي الذي وصل إليه مجتمعنا في ظل معارك مفتوحة لا تنتهي أسلحتها الدسائسية
الفقيد عبد الوهاب بلفقيه لم أكن أعرفه شخصيا، ولو أنه تجمعني به قرابة القبيلة، وقد كنت أختلف تماما مع طريقة ممارسته للسياسة.
لنتأمل مليا تلك الصورة الجارحة، صورة نجلي الفقيد عبد الوهاب بلفقيه
ففكري و فؤاذي اتجه صوب نجليه ،صوب هؤلاء الأبرياء، صوب هاذين الطفلين لما رايتهما في ذلك الوضع يوم وري الثرى جثمان ابيهم .
طبعا لا توجد تعويذة سحرية، تنزع الحزن من قلوب الأطفال والمراهقين، لكن يمكن مساعدتهم، وعلى الأمد الطويل، ليتجاوزوا حزنهم، ويتفادوا آثاره التي من الممكن أن تتحكم بمستقبلهم، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بوفاة الأب، وطبيعة التعامل مع المراهق الذي عاين أباه محمولا على الأكتاف ليوارى الثرى بأيت عبد الله في أيت باعمران، مصاباً بطلق ناري بمسقط راسه، وفي ظروف كان يلفها الغموض انذاك .
تشكل هذه الوضعية أزمة مركبة، لا ترتبط بفقدان الأب فقط، بقدر ما ترتبط بصدمة وجودية وعاطفية كبيرة، تحتاج إلى عناية خاصة، ومتابعة نفسية متخصصة، لأن الطفل أو المراهق في هذه الحالات، سيحتاج إلى تشخيص دقيق لحزنه، وطرق فعالة للتعامل معه، وغالباً ما تكون طويلة الأمد.
ستنتهي ولاية مجلس جهة كلميم واد نون، وستنتهي ولاية الحكومة الحالية التي مازالت تتعتر في تنفيذ ما وعدت به المواطنين ، كما انتهى ولم ينتهي التهافت على المناصب الوزارية، وسيسقط من سيسقط وسيفوز آخرون، و تستمر الحياة بما لها وما عليها، لكن ستبقى هذه الصورة، صورة نجلي الفقيد عبد الوهاب بلفقيه، في ذاكرة كل من رآها.. بما لها من تأثير لهؤلاء الأبرياء في عمر الزهور… هذه الصورة سيطارد طيفها كل من كان سببا، بشكل من الأشكال، طوال حياته، وسيعذب الضمير لمن كان له ضمير، وهل لهؤلاء ضمير أصلا؟!
غادرت ، فاشكر ربك، أيها الفقيد عبد الوهاب بلفقيه، أنك غادرت دنيا الأحياء الأموات، قبل أن ترى هذا المشهد السياسي البئيس، أبطاله يتلاعبون بانتظارات الشعب المغلوب على أمره لا لشيء إلا ليجلسوا على كراسي السياسة دون احترام لإرادة الشعب. لماذا يعتبرون أنفسهم أوصياء علينا وعلى هذا الشعب الطيب؟ لماذا لا يحترمونه حين يصوت يمينا أو يسارا أو وسطا أو حتى عندما لا يصوت. هل نظمت الاستحقاقات لأجل إصلاحات هيكلية جوهرية، لفائدة الشعب ومن أجل مغرب الغد، أم لتكون مطية للمتسلقين للوزارات والجهات والبلديات والقرويات؟ لقد انتقلنا من زعماء سياسيين يقفون في وجه الظلم والحيف إلى كائنات انتخابية، تلهث وراء المواقع والمنافع والمصالح… ألم يكن سهلا على كل ذي ضمير حي أن يحدو حدوهم؟ مواطنين بسطاء يحملون هم هذا الوطن لِمَ لَمْ يفعلوا ؟ لماذا يخاطر خيرة شبابه بحياته ممتطيا أمواج البحر ؟ هل لأنهم أقل ذكاء او اقل خبرة منهم أم لأن كبرايائهم أكبر من مكرهم؟!
غالبا ما يقع اللوم على السياسة، فقط لو نتأمّل ما ذنب السياسة؟! هي مصطلح بريء في معناه ومبناه، لكن العاملين فيه شوّهوه، وأصلا لا ينبغي وصفهم برجال السياسة أو القادة، وهم عاجزون عن قيادة حملة انتخابية نظيفة شريفة لها أبعاد إنسانية وبرامج تنموية إصلاحية، هُم طاعون يتفشى في المجتمع، وزاد السياسة وسخا، وأدخل الأمور في بعضها، لذا أصبحت السياسة ملعونة، وكلّ من اختار الخوض فيها بنيّة حسنة سيلفه الاتهام ويدخل سجن الظنون…
صورة نجلي الفقيد ، ستصاحب كل من كان سببا في تلك الفاجعة كما صاحب الموت في الرواية الروسية “طيف ألكسندر ولف” لجايتو جازدانوف، والمتعلقة بالموت وعدم قدرة الإنسان أن يهرب منه.. الرواية تحكي حزمة من الأفكار تتعلق بحرية الإرادة وبالمصير، بالبشر في لحظات ضعفهم، وبتلك الحتمية بين القاتل والقتيل، وبحوارات تدفعنا لكي نسأل من القاتل ومن الضحية؟ وهل من إمكانية في تبادل الأدوار في هذه الحياة؟
أنتما الطفلان اليافعان في عمر الزهور، أنتما البريئان بصفحات ناصعة البياض لم تلطّخها رائحة السياسة، التي أزكمت رائحة فسادها وفاسديها الأنوف، رائحة نتنة وعاقبتها عفنة وقذرة: حيث استغلال ونهب وفساد وتغيير البدلات، إما اضطرارا أو حسب المناسبات،وحيث كل سياسي منبوذ إلى حين نفيه أو موته قتلا!
اختلفت في السياسة مع كثيرين وما زلت أختلف إلى حد بعيد، ولكن لم أكن أتصور يوما أن يدفع طمع الكراسي وحب المال وحب السلطة حد الجنون إلى الوصول إلى ذلك المستوى المتدني! لا يهمّ، الآن، ولست معنيا بترجيح فرضية الاغتيال أو الانتحار، ما يهم، وهو الأساسي، أن روحا أزهقت بالرصاص، وتلك هي القضية!
كل متمنياتي اليوم لهاذين الطفلين البريئين بعد سنتين على رحيل ابيهم أن يكونا قد تجاوزا تلك المحنة بما يليق في مثل تلك الظروف الحزينة، فالحمل كان ثقيلا لأن الفاجعة كانت قاسية جدا… كل إنسان يدرك معنى الإنسانية لابد أن يتفاعل مع الحدث و يتضامن مع هاذين الطفلين البريئين،
رحم الله الفقيد و جعل القادم لبلدنا الحبيب أفضل مما سبق .
عبد الكريم غيلان
كاتب رأي

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد