المدرع أو الأرمديللو (Armadillo)هو حيوان فريد من نوعه يعود موطنه الأصلي إلى أمريكا الوسطى والجنوبية. ما يميز هذا الحيوان عن غيره هو قشرته الصلبة التي تشبه الدرع. وهي قشرة واقية تحمي المدرع من كل المخاطر المحدقة به. بحيث ينكمش هذا المخلوق حول نفسه على شكل كرة وبطريقة خارقة كلما استشعر تهديد حيوان مفترس. قصاصات الأخبار ساقت قصص عديدة حول هذا الحيوان، إحداها أن رجلا بولاية تكساس تعرض لجروح خطيرة على مستوى الوجه، ليس لأن الحيوان هاجمه، وإنما بعد أن صوب مسدسه نحو الأرمديللو، لترتد الرصاصة من درع الحيوان الصلب مخلفة جرحا غائرا على وجه الرجل.
الحديث عن المدرع وعن كيف يتحول إلى كرة عند رؤية العدو، يعيد إلى الأذهان مؤلف الكاتب والصحفي البريطاني سايمون كوبر “الكرة ضد العدو” (Football Against the Enemy) وهو كتاب لقي إقبالا كبيرا من لدن القراء منذ طبعته الأولى والتي تعود إلى سنة 1994. حيث يتمحور الكتاب حول العلاقة الجدلية بين السياسة والرياضة وكيف تتحول الرياضة إلى مختبر لصناعة السياسة. وكيف تدخل السياسة على الخط لتصلح ما أفسدته الرياضة، وكيف تصرف المواقف في فضاء هذه اللعبة لتصبح موضوع انشغال مجتمع وقضايا دول. كل هذا فوق مسرح أخضر يمزج بين الكوميديا والتراجيديا بين مشجعين مساندين وآخرين مناوئين في لعبة تحبك خيوطها بكُرَةِ وأحذية.
المغرب وما أدراك!” تعليق لإعلامي تونسي على انتخابات الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم (الكاف) التي جرت في المغرب مؤخرا. مضيفا “الكل انسحبوا ودخلوا بيت الطاعة”. “المروك دارو فينا مابغاو”, “أداو الخبزة واحنا نجريو على الفتات”, “ماولينا نسواو والو في إفريقيا”, “عدم عضوية زطشي ضربة قاصمة للجزائر”. هذه فقط نماذج من التعليقات الغزيرة والمتناسلة والمتفردة كونيا جادت بها قريحة إعلام الجزائر الشقيق. بل ذهبت ملكة الإعلاميين الرياضيين الأشقاء إلى دعوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم عدم السفر الى المغرب!
“حشومة نقارنو ارواحنا بالمروك” يضيف معلق جزائري آخر. والواقع أن المقارنة مع الجار لاتوصف بحشومة إذا كانت تحكمها النوايا الحسنة. العدوان المجاني والكراهية المستحدثة اتجاه المملكة هما الحشومة الحقيقية. ومع ذلك، أجدني أتفق مع المحلل الجزائري الشقيق في عدم المقارنة مع “المروك”،كما يحلو لهم تسميت جيرانهم، في نقطة واحدة: “المروك” يعرفون معنى الجورة، ومعنى الأخوة ولا يعرف الحقد والغل طريقا إلى قلوبهم. وطبعا أتحدث هنا عن المغاربة الأحرار. كرم المغاربة وحفاوة المغاربة وأريحية المغاربة وسعة صدر المغاربة، وإيثار المغاربة وحكمة المغاربة ووسطية المغاربة كلها صفات تستحق أن تدرس في كتب الآداب الإنسانية بعيدا عن أي شوفينية.
ولو استحضر الأشقاء بندا واحداً من أخلاق المغاربة لكانوا أول المهنئين والفرحين بعضوية أشقائهم بأعلى هرم الكرة، ولإعتبروا عضويتهم من عضويتنا، وحضورنا من حضورهم، ونجاحنا من نجاحهم. لكن يبدو أن الجورة والأخوة تحمل معاني ودلالات أخرى في معجم الأشقاء.
قصاصات الأخبار أفادت أن “قرار الفيفا برفض ترشح زتشي لعضوية مجلس الفيفا يعود بالأساس إلى عقوبة الإقصاء لمدة ستة شهور التي سلطها عليه الاتحاد الافريقي لكرة القدم سنة 2018 عندما أساء إلى الأمين العام الأسبق للهيئة القارية ورئيسها آنذاك الملغاشي أحمد أحمد، وقبلها عقوبة الرابطة المحترفة في الجزائر سنة 2016. لذلك لم يترشح لعضوية اللجنة التنفيذية للكاف سنة 2019 في مصر، خوفا من رفض ترشحه بسبب عقوبة لا تسقط بالتقادم سوى بعد خمس سنوات وتمنعه من الترشح لأي منصب في الهيئات القارية والدولية”.
فما ذنب المغاربة في “إخفاق” الجيران؟ وأي إثم اقترفه المغاربة في حق الأشقاء؟ الجواب ربما نجده في تعليق الجنرال والخبير العسكري والفيلسوف الصيني سون تزو صاحب كتاب “فن الحرب” في طرح مفاده أن “مسؤولية حماية أنفسنا من تلقي الهزيمة تقع على عاتقنا نحن، لكن فرصة هزيمة “المناوئ” يوفرها لنا هو نفسه عبر خطأ يقع فيه”.
فهل أماطت الكرة اللثام عن عدوانية دفينة يحفظها الأشقاء لجيرانهم في الخفاء والعلن؟ وهل يعتمد الأشقاء منطق الأرماديلو كلما تعلق الأمر بالمغاربة؟ أي منطق الكرة ضد “العدو”!
لم يتردد سايمون كوبر، في كتابه، من وصف الكرة بـ”الحرب” بناء على تجارب وأحداث ساقها كنماذج عبر مؤلفه. معظمها بل جلها امتداد لصراعات تاريخية بين مجموعة من الدول. وهو شرط غير قائم بينا والجيران. فتاريخنا تاريخ أخوي نضالي مشترك. وليس هناك مايدعو إلى العداء والحرب ولو بمنطق الكرة!
علق أحد السياسيين البارزين بالقول: “لا اخاف من العرب مهما جمعوا من سلاح وعتاد، لكني سأرتجف منهم اذا رأيتهم يصطفون بانتظام لركوب الحافلة”. فمن الحماقة قتال خصم يحاول الإنتحار. وهذا قول للرئيس الأمريكي الراحل وودرو ويلسون.